منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا تكثف جميع جهودها لمواجهة أزمة المياه عبر أحدث الوسائل المتبعة في هذا المجال

A little girl holding a refreshing glass of water in hand.

أتقنت مجموعة من النساء الامازيغيات في منطقة نائية في جبال جنوب غرب المغرب ، حيث تلتقي رمال الصحراء الجافة والحارة مع مياه البحر فن التقاط قطرات المياه المتساقطة من الضباب الذي يتدفق من المحيط و”تحويلها” إلى ماء.

يبدو الأمر وكأنه عبارة عن سحر عند رؤية الطريقة التي يعلقون بها الشباك المخصصة لتجميع قطرات المياه في الهواء واستخدامها لالتقاط قطرات الماء الصغيرة التي يتم احتجازها بعد ذلك في قنوات أسفل الشباك. ولكن في واقع الأمر تعتبر تقنية جمع ندى الضباب وتحويله إلى مياه تقنية قديمة استخدمتها الحضارات المصرية وحضارات أخرى جاءت قبلها منذ آلاف السنين. ومن المثير للدهشة أن الشباك التي تبلغ مساحتها 870 مترًا مربعًا والتي تقوم بتركيبها منظمة غير حكومية تقودها مجموعة من السيدات ، تدعى جمعية دار سي حماد ، يمكنها جمع متوسط 22 لترًا من المياه لكل متر مربع يوميًا.

والجدير بالذكر أنه لم يكن مفاجئاً أن تسعى المجتمعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا نحو استخدام أحدث الأساليب المبتكرة في نهجها لمحاولة الوصول إلى المياه ، حيث تعد المنطقة موطنًا لأكثر البلدان التي تعاني من شح المياه وندرتها في العالم، وتشير التقديرات إلى أن 60% من الأشخاص الذين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعانون من ندرة المياه الصالحة للشرب أو لا يحصلون عليها مطلقًا.

وبالنسبة لهذه البلدان ، فينطبق عليهم المثل الشهير “الحاجة أم الاختراع”. وعلى غرار نظيرتها الإقليمية المغرب ، اكتشفت الإمارات العربية المتحدة أيضًا طرقًا لالتقاط المياه من الهواء – فقد أطلقت شركة “إشارة كابيتال” ومقرها أبوظبي، وشركة فيراغون لحلول المياه نظامًا يحول الهواء إلى ماء ولديه قدرة على إنتاج ما يصل إلى 1000 لتر من مياه الشرب ، وذلك عن طريق جمع الرطوبة من الهواء.

وبالإنتقال نحو الجنوب ، يتبين لنا أن تحلية المياه كانت واحدة من أكثر التقنيات المبتكرة المستخدمة لمساعدة مدينة كيب تاون على تجنب الوصول إلى انتهاء إمدادات البلدية من المياه ، والمعروفة باسم  “Day Zero” (اليوم صفر!) ، الذي عانى منه سكان المدينة نتيجة شح المياه ، ومن المعروف أن المواد الكيميائية المستخدمة لمعالجة المياه تزيل الملح من مياه المحيط مما يجعلها صالحة للشرب.

تسليط الضوء على المطالب الملحة للأزمة

ولكن على الرغم من تحقيق خطوات واسعة في جميع أنحاء المنطقة ، إلا أن الأزمات العالمية مثل فيروس كورونا المستجد برهن على أننا مازلنا نبعد عن المدى الذي يتوجب علينا الوصول إليه.

ومنذ المراحل الأولى من انتشار الوباء بات من الواضح أن أفضل طريقة لتجنب الإصابة بفيروس كورونا المستجد هي غسل الأيدي بشكل متكرر وشامل. إلا أن هذه الطريقة شكلت عقبة كبيرة بالنسبة للعديد من السكان في بلدان أفريقيا (جنوب الصحراء الكبرى) حيث يعيش حوالي 63%  من السكان في المناطق الحضرية التي يصعب فيها الحصول على خدمات المياه الأساسية ، وبالتالي لن يتمكنوا من غسل أيديهم بشكل منتظم.

ونظراً لحجم أزمة المياه المتصاعدة، بات لزامًا على من في وسعهم إيجاد حلول لهذه الأزمة بذل قصارى جهدهم فورًا ودون تأخير. مع العلم بأن جزءًا كبيرًا من حل أزمة المياه يكمن في الاستعانة بتقنيات التكنولوجيا الحديثة ، التي من شأنها أن تساعدنا في تحقيق فهم أفضل للمجالات التي ينشأ من خلالها نقص وشح الموارد المائية ، فضلًا عن أنها تعمل على تحسين الاستثمارات في تجديد موارد المياه.

Sustainabilityinfographic

أهمية البيانات ودورها الحاسم في تغيير مجريات الأمور

عندما يتعلق الأمر بتحسين الوصول إلى المياه ، فإن جودة البيانات التي يجرى الحصول عليها من المناطق التي تعاني نقصًا حادًا في المياه يُعد أمرًا بالغ الأهمية. ولكي نكون على دراية تامة بالمشكلة التي نحاول حلها بشكل نهائي أو جذري ، فإن الحكومات يلزمها الاطلاع على تقييمات دقيقة حول تقلبات توافر المياه، حيث إن هذه البيانات من شأنها المساعدة في حساب وتوقع أرصدة العرض والطلب، وكذلك مراقبة جودة المياه.

ونستطيع أن نرى الدور الفعال التي تلعبه التكنولوجيا وإمكانية الاستعانة بها من خلال مبادرات مثل برنامج “منح الابتكار للذكاء الاصطناعي من أجل الأرض”، الخاص بمايكروسوفت ، والذي يتيح للكيانات التي تتطلع إلى حل التحديات البيئية الوصول إلى الخدمات السحابية وأدوات الذكاء الاصطناعي إلى جانب الاستثمارات في الحلول المبتكرة والقابلة للتطوير.

فعلى سبيل المثال في كينيا ، ساهمت عملية الجمع بين تقنيتي الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في تقليل فقد ونقص المياه. حيث عمدت شركة “يوبيبو تكنولوجي” إلى التعاون مع خدمات المرافق العامة للمياه الموجودة في جميع أنحاء البلاد ، وذلك من أجل نشر أجهزة قياس المياه الذكية التي توفر مراقبة لحظية للبنية التحتية للمياه، علمًا بأن البيانات التي توفرها أجهزة إنترنت الأشياء تساعد صانعي القرار ليس على قياس المياه وإدارتها بدقة فحسب ، ولكن أيضًا على التنبؤ بالتوجهات المستقبلية في استهلاك المياه للمساعدة في تحسين إمدادات المياه.

ويعد هذا أمر بالغ الأهمية في بلد لا يحصل فيه سوى 55% في المائة من السكان على مياه بتكلفة معقولة، حيث لا تزال شركة “يوبيبو تكنولوجي” في طورها التجريبي، لكنها تأمل في الاستفادة من قابلية التوسع في منصات مثل مايكروسوفت أزور لتحسين توافر إمدادات المياه بشكل موثوق يصل إلى 2.1 مليون أسرة.

تركيز الجهود على القطاعات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه

يحتاج أي جهد فعلي لمعالجة شح المياه في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا إلى تضمين حلول من شأنها التخفيف من الاستهلاك الكبير للمياه من جانب القطاعات التي تزداد الحاجة فيها إلى الماء مثل الزراعة. ووفقًا لبيانات البنك الدولي، يستهلك قطاع الزراعة 85% بالمائة من المياه في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقد استطاعت مجموعة “DHI” من خلال الاستخدام الرائد لبيانات الأقمار الصناعية فهم وترشيد استخدام المياه في الزراعة. وفيما يتعلق بمسألة قياس درجة إجهاد المحاصيل المرتبط بنقص المياه لم يكن لدى المزارعين سوى أدوات قليلة لقياس ذلك الإجهاد ، حيث لم يعتمدوا إلا على الإشارات البصرية والحدس. أما حالياً بات للمزارعين ومالكي المزارع من خلال الجمع بين بيانات الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي- الحصول على عرض شبه دقيق لمقدار المياه التي يستخدمها المحصول ويفقدها يوميًا ، إلى جانب تزويد المحصول بما يحتاجه للنمو فقط.

ولحسن الحظ تعتبر شركة “DHI” مستفيد آخر من برنامج AI for Earth )(منح الابتكار للذكاء الاصطناعي من أجل الأرض) الذي أطلقته مايكروسوفت، وهو ما أتاح لها فرصة اختبار مفهوم الأقمار الصناعية في المزيد من البلدان، بما في ذلك أوغندا. وهناك ثمة أعمال كثيرة يتم القيام بها بالإضافة إلى مخطط الري الوطني، والعمل في الحقول الزراعية لأخذ القياسات وجمع البيانات عن المحاصيل، ومقارنتها ببياناتها المستندة إلى الأقمار الصناعية.

ويجب معرفة أن مثل هذه الحلول تبعث الأمل فيما يتعلق بتحسن توافر المياه في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، إلا أن المهام الملقاة على عاتقنا ثقيلة وتتطلب تضافر جهود الأشخاص المعنيين من جميع أنحاء المنطقة بُغية اتخاذ إجراءات عاجلة في هذا الصدد. ومن المعلوم أن مثل هذه المهام تدفع شركات مثل مايكروسوفت إلى اتخاذ خطوات كبيرة، من خلال الشراكة مع منظمات غير حكومية مثل منظمة المياه لضمان حصول أكثر من 1.5 مليون شخص على مياه شرب نظيفة والمرافق الصحية الأخرى.

ومن هذا المنطلق ، حذرت وكالة ناسا مسبقًا بأن نقص المياه سيكون التحدي البيئي الأكبر في هذا القرن. وسوف تحدد الأعمال التي تقوم بها المؤسسات والأفراد في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في هذه الآونة عما إذا كانت الفرصة سانحة للتغلب على التحديات الحالية أم لا.

منشورات ذات صلة