«العُبيكان»، قصة نجاح في توظيف الذكاء الاصطناعي

مختبر العبيكان

الرياض، المملكة العربية السعودية يُشرف ريكس «ديل موندو» على مجموعة من خطوط التجميع في أحد المصانع المتخصصة بإنتاج العبوات والأغطية البلاستيكية، التي تُستخدم لتعبئة العصائر ومشتقات الألبان والمنظفات، وتُوزع في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

قبل اعتماد قسم البلاستيك الصلب في «مجموعة العُبيكان للاستثمار» لمنصة «O3ai» الذكية، التي طُورت داخليًا، كان «ريكس ديل موندو» يقضي ما يقارب ثلاث ساعات يوميًا مع المشغلين والمهندسين لتحليل بيانات الإنتاج على مدار الـ 24 ساعة الماضية، والتي كانت تُجمع يدويًا في سجلات ورقية.

فريق العبيكان ينظران إلى الشاشة

وصف «ديل موندو» تلك الاجتماعات بالمُرهقة والمليئة بالنقاشات الحادة، حيث كانت تُثار الخلافات حول تحديد المسؤول عن أي مشكلات تطرأ، مما قد يستغرق أيامًا للوصول إلى سبب تعطل الآلات أو العيوب في العبوات المنتجة.

والآن، بفضل منصة «O3ai» للتصنيع الذكي، التي كان لـ«ديل موندو» دور في تطويرها، يمكن مراجعة بيانات التشغيل للـ 24 ساعة الماضية في غضون دقائق معدودة.

تحظى منصة «O3ai» بدعم من مشاريع «مجموعة العُبيكان» ضمن شراكة إستراتيجية مع «مايكروسوفت»، حيث تم تطويرها بالاعتماد على تقنيات الحوسبة السحابية من «Microsoft Azure».

ومن خلال مركز التحكم، يمكن لـ«ديل موندو» تحديد وقت حدوث العطل، وأسبابه، والطريقة المثلى لإصلاحه بمجرد نقرة زر. وقال: “بدلًا من التركيز على المشكلات بعد وقوعها، أصبحنا اليوم نستبق الأحداث ونتعرف على الأعطال قبل حدوثها.”

أسهمت منصة «O3ai» في إحداث نقلة نوعية في عمليات التشغيل داخل 20 مصنعًا تديرها مجموعة «العُبيكان» في عدة دول، والتي تضم أكثر من 3,000 موظف، وتعد من أكبر الشركات المتخصصة في تصنيع حلول التعبئة والتغليف الاستهلاكية، من البلاستيك إلى الزجاج، في منطقة الشرق الأوسط.

وصف «ديل موندو» المنصة مُبتسمًا أنها “حلم كل مهندس”. وقال: “الآن، نحن جميعًا نَطَّلِعُ على البيانات نفسها، وهو ما يعزز التعاون بشكل أكبر”.

كانت منصة «O3ai» حلمًا هندسيًا تَجَسَّدَ برؤية «عبدالله العُبيكان». فمنذ توليه منصب الرئيس التنفيذي لـ «مجموعة العُبيكان للاستثمار» عام 2002، وظّف خبرته في الهندسة الكهربائية لترسيخ نهج إداري قائم على مبدأ «الإدارة المرنة»، مما ساهم في تعزيز ثقافة التحسين المستمر داخل المجموعة. كما يشغل «العُبيكان» منصب رئيس مجلس إدارة «غرفة الرياض».

وقال «العُبيكان»: “كان علينا تلبية متطلبات الجودة لعملائنا وإدارة التكلفة بفعالية لنتمكن من المنافسة في هذا السوق.”

وأكمل العُبيكان: “سألنا أنفسنا، كيف يمكننا إدارة هذه الأنظمة الضخمة وتعقيداتها بطريقة أكثر بساطة؟” موضحًا أن الشركة تعاونت مع مايكروسوفت لتطوير قدرات تتيح ربط 1,200 آلة و280 خط إنتاج وأكثر من 3,000 موظف ضمن منظومة تشغيلية متكاملة.

تعتمد مجموعة العُبيكان على منصة  «O3ai»لتحليل البيانات، وتوفير التقارير الفورية، وتحديد المشكلات المتعلقة بالجودة، والهدر، والكفاءة، والإنتاجية قبل وقوعها. وأسفر ذلك عن زيادة الكفاءة التشغيلية بنسبة 30% وتوفير ملايين الدولارات، ما دفع العُبيكان إلى الاقتناع بأن هذا النظام سيحظى باهتمام واسع من قبل الشركات الصناعية الأخرى.

ونظرًا لهذا النجاح، قررت مجموعة العُبيكان تحويل منصة  «O3ai» إلى شركة مستقلة، وبدأت في تسويق منصتها في الشرق الأوسط وأوروبا، مع خطط للتوسع قريبًا في الولايات المتحدة، حيث تستعد لنقل مقرها الرئيسي إلى هناك خلال الأشهر المقبلة.

الاستفادة من قدرات المساعد الشخصي الذكي «Copilot» وروبوت الدردشة الذكية «Chatbots» وإنترنت الأشياء.

استعان «العُبيكان» بـ «طارق تامان»، وهو مدير تنفيذي أمريكي يتمتع بخبرة طويلة في إدارة الشركات التقنية، لتولي منصب المدير العام للشركة الناشئة«O3ai» ، وما دفع «تامان» لقبول المنصب هو قناعته بعدم وجود منصة مماثلة في السوق، حيث توفر نظامًا متكاملًا للمصانع الذكية يرتكز على نهج الإدارة المرنة كنهج أساسي في التشغيل.

وقال «طارق تامان» : نهج الإدارة المرنة يحقق دائمًا قيمة مضافة، أما عند أتمتة هذا  النهج، تصبح الفوائد أكبر، لأنه أسهل في التطبيق، وأسهل في المتابعة، وأسهل في الاستدامة، وأسهل في التحسين، نظرًا لكونه رقمي بالكامل.”

وأشار »تامان« إلى أن النتائج التي حققتها شركة «O3ai» في «مجموعة العُبيكان» تعكس بوضوح قوتها، حيث ارتفعت قيمة الشركة من 750 مليون دولار إلى مليار دولار في غضون أربع سنوات، مع تحسن كبير في الأداء المالي وتعزيز تفاعل الموظفين.

وأكد «تامان» أن«O3ai»  رغم انبثاقها عن شركة عائلية راسخة، إلا أنها تتمتع بالعديد من مزايا الشركات الناشئة، وذلك بفضل رؤية «العُبيكان».

وقال «تامان»:  كنا محظوظين بالاستفادة من ميزة الدخول المتأخر في السوق. موضحًا: نحن من أوائل المنصات البرمجية في هذا المجال التي كُتبت أولى سطور شيفرتها البرمجية في العقد الحالي، مما يعني أننا لا نعاني من الأكواد القديمة التي تعود إلى 10 أو 20 عامًا، ولا نضطر إلى إعادة هيكلتها باستمرار.”

وأكد «تامان» أن الشراكة مع مايكروسوفت كانت عاملًا رئيسيًا في تحقيق ميزة تنافسية إضافية، قائلاً: “منذ اليوم الأول، اعتمدنا على مايكروسوفت واستفدنا من كامل البنية التحتية والخدمات التي توفرها منصة «Azure»، مما أتاح لنا العمل بسرعة أكبر مقارنة بالأنظمة التقليدية التي تعتمد على برمجيات قديمة.”

وذكر «تامان» أن«O3ai»  بدأت بالاعتماد على تقنيات التعلم الآلي عبر منصة «Azure» ، لكنها سرعان ما تبنّت خدمة «Azure OpenAI» و «Microsoft Copilot» فور توفرهما. كما طوّرت «O3ai» روبوت دردشة ذكي خاص بها قادر على تحليل وتفسير الكم الهائل من البيانات التي تنتجها الآلات على خطوط الإنتاج بشكل مستمر.

منوهاً أن كل آلة مزوّدة بنظام مستشعرات ينقل البيانات مباشرة إلى منصة «O3ai»، في إطار منظومة تُعرف باسم إنترنت الأشياء.

وأضاف «تامان» :حجم البيانات المتدفقة من أرضية المصنع مذهل، فالمصانع المتوسطة إلى الكبيرة تنتج ما يقارب 50,000  إشارة إنترنت الأشياء في الثانية يتم إرسالها إلى منصة ،«O3ai»، ومع هذا الكم الهائل من الإشارات، يجب تنسيق العمليات والتحكم بها في كل مكان وفي الوقت نفسه، وهي مهمة معقدة تتطلب الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي.”

«O3ai»  ترتقي بالتصنيع إلى مستوى غير مسبوق

واعتبر «تامان» أن المساعد الشخصي  «Copilot»يقوم بمعالجة الإشارات القادمة من الآلات، واقتراح الإجراءات المناسبة، والإجابة على الاستفسارات، وتقديم رؤى تشغيلية للمشغلين في الوقت الفعلي.

خميّس الجنادي هو مدير الشراكات الإستراتيجية في «العُبيكان للحلول الرقمية»، وانضم إلى مجموعة العُبيكان منذ عام 1998، حيث كان له دور محوري في الإشراف على التحول الرقمي داخل الشركة.

بصفته مهندسًا يتمتع بخبرة طويلة في قطاع التصنيع، كان الجنادي يدرك جيدًا التحديات التي فرضها نقص البيانات على العمليات التشغيلية. وقد استغرق التحول الرقمي عملية معقدة امتدت لعشر سنوات.

وفي هذا السياق، أوضح الجنادي قائلًا: “كان علينا أولًا تنظيم العمل، وهذا يعني وضع أنظمة تشغيل وإدارة فعالة. ثم كان علينا تحقيق الترابط الرقمي، فلا يمكن اعتبار المصنع ذكيًا إذا لم تكن البيانات تتدفق من الآلات، فالآلات تتحدث، ويجب علينا الإنصات إليها.”

وهذا تطلّب إضافة مستشعرات إلى الآلات التي لم تكن مزوّدة بها مسبقًا، وإنشاء شبكة متكاملة تتيح إرسال الإشارات إلى منصة بيانات مركزية لتحليلها والاستفادة منها في تحسين العمليات التشغيلية.

تابع الجنادي: “ بعد ذلك، تأتي مرحلة استخلاص الرؤى، فمع تدفق البيانات، يصبح من الضروري تحليلها واتخاذ القرارات بناءً عليها، وأخيرًا، نصل إلى مرحلة التحسين المستمر، وهي عملية لا تنتهي أبدًا.”.”

وأشار إلى أن »مجموعة العُبيكان« استفادت من مصانعها الخاصة لتطوير النظام وتحسينه قبل تقديمه لعملائها الرئيسيين، وهم الشركات المصنعة للمنتجات التي تعتمد على حلول التغليف الخاصة بالمجموعة. وأضاف أن 20%  إلى 25% من عملاء قطاع التعبئة والتغليف لدى »العُبيكان« قد تبنّوا بالفعل منصة«O3ai» .

وقال: “نحن نتجه نحو التوسع عالميًا، لأننا نؤمن بأن لدينا منتجًا فريدًا من نوعه.”

ثم استعرض على جهازه اللابتوب بساطة تحديد وتتبع المشكلات عبر منصة «O3ai» ففي إحدى الحالات، اشتكى أحد العملاء من عيوب في دفعة من العبوات، وتمكن من تحديد توقيت حدوث المشكلة، حيث تبين أن السبب كان ارتفاعًا زائدًا في درجة الحرارة خلال إحدى مراحل التصنيع.

ووصف هذا الإنجاز  بأنه مذهل في عالم التصنيع.” مضيفًا: تحديد المشكلات في التصنيع كان في السابق عملية معقدة وبطيئة، حيث كانت الشركات بحاجة إلى توظيف مهندس متخصص في تحليل الأعطال وموثوقية العمليات، والذي قد يستغرق وقتًا طويلًا في البحث عن السبب الجذري للمشكلة، أما الآن مع منصة«O3ai» ، يمكننا العثور على الإجابة خلال دقائق فقط، وحل المشكلة على الفور”.

فيما يؤمن «عبدالله العُبيكان» بأن كل شركة يجب أن تصبح شركة برمجيات، مشيرًا إلى أن تبنّي «مجموعة  العُبيكان»للحلول الرقمية في قطاع التصنيع لم يكن مجرد خيار، بل ضرورة وجودية لضمان الاستمرارية والتنافسية”.

وأوضح قائلًا: استخدام الذكاء الاصطناعي لخفض التكاليف لم يعد للرفاهية، بل أصبح ضرورة للبقاء  والاستمرار، وهذا التوجه لم يقتصر على تحسين الكفاءة الداخلية، بل أسهم أيضًا في دفع «مجموعة العُبيكان» إلى ما هو أبعد من جذورها المحلية، لترسّخ مكانتها كلاعب عالمي في قطاع التصنيع”.

وأضاف العُبيكان: “كنت مؤمنًا بشدة بأن شركة سعودية قادرة على إحداث تغيير جذري في سوق ناضج، لأننا نتحرك بسرعة أكبر،  قد لا نمتلك إرثًا طويلًا مثل الآخرين، لكننا نمتلك القدرات نفسها، ولدينا وصول عالمي إلى التكنولوجيا، تمامًا كما توفره مايكروسوفت.”

-الختام-

منشورات ذات صلة