عناصر النجاح الأساسية داخل الفصول الدراسية
“وماذا لو لم أتعلم القراءة أبداً؟”
طرحت فاطمة البالغة من العمر ثماني سنوات ، هذا السؤال على والدتها تسنيم ، وهي تجهش بالبكاء بعد عودتها من المدرسة ، وذلك لأنها كانت تكافح جاهدةً وهي تحاول القراءة بصوت عالٍ داخل الفصل.
تعاني فاطمة من عسر القراءة (dyslexia)، وهو مصطلح يستخدم لوصف الاضطرابات التي تنطوي ضمن مشاكل تعلم القراءة أو تفسير الكلمات والحروف والرموز الأخرى ، وقد تم تشخيص اصابة فاطمة بعُسر القراءة في سن مبكرة بعد أن لاحظ معلموها أنها كانت تخطئ بشكل متكرر ومستمر في نطق بعض الأسماء والكلمات.
ومن هنا قامت والدة فاطمة بمساعدة طفلتها من خلال البدء بتوضيح ماتعاني منه ، حيث بدأت بطريقة ذكية بشرح المشكلة ولكن بأسلوب ايجابي من شأنه تشجيع فاطمة على المواصلة وعدم الاستسلام ، محدثتاً طفلتها بأن الأطفال يتعلمون بطرق مختلفة ، وكل طفل يمتلك طرق خاصة به يفضلها بتعلم القراءة ، وأن عسر القراءة لا يعني أنها “غبية” أو “حمقاء” ، بل العكس من ذلك أكدت لها والدتها بأنها ذكية تماماً مثل بقية الأطفال الآخرين ، كما أوضحت لها أنّ العديد من الأشخاص الذين عانوا من عسر القراءة قد تابعوا حياتهم بشكل طبيعي ، وحصلوا على مهن ناجحة مثل ألبرت أينشتاين الذي أصبح عالم الفيزياء الأكثر شهرة في العالم.
كان ذلك قبل تسع سنوات.
تقرأ فاطمة الآن بمساعدة تقنية متطورة تسمى القارئ الشامل (Immersive Reader) ، حيث يعد برنامج Immersive Reader عبارة عن أداة تعليمية من مايكروسوفت تُمكّن الطلاب من مواجهة تحديات عديدة مثل مشاكل عسر القراءة ؛ وعسر الكتابة (dysgraphia) (عدم القدرة على الكتابة بشكل متماسك) ؛ وكذلك اضطرابات نقص الانتباه (ADD) ، علماً أن البرنامج صمم خصيصاً من أجل تحسين مهارات القراءة والكتابة لدى هذه الشريحة ، ويستخدم البرنامج حالياً أكثر من 14 مليون طالب في جميع أنحاء العالم ، والأكثر من ذلك أثبت البرنامج بأنه يزيد من درجات نتائج الطلاب بنسبة تصل إلى 10 في المائة.
تمنح التكنولوجيا إمكانية فرص التحسّن لجميع الطلاب
بات من الواضح جداً السرعة التي يمضي فيها عالمنا نحو تغير غير مسبوق عن أي وقت مضى ، فإذا عدنا بالزمن إلى عقد واحد فقط للوراء ، سنجد بأن طفلة مثل فاطمة تعاني من مشاكل القراءة أو الكتابة لم تكن قادرة على امتلاك الفرص التكنولوجية التي تتوفر لها الآن.
وبالحديث عن دول منطقة الشرق الأوسط وافريقيا ، فقد تتفاوت الفرص التعليمية بشكل كبير جداً بين تلك الدول ، إلا أن التكنولوجيا في نفس الوقت تلعب دور كبير في اتاحة الأدوات والتقنيات اللازمة لتكون في متناول العديد من المعلمين والطلاب ، كما تمتد أذرع التكنولوجيا في المنطقة لتصل إلى الهاتف المحمول على وجه الخصوص ، والذي يمضي قدماً نحو إحداث ثورة في التعليم داخل المنطقة ، حيث يستخدم العديد من الطلاب في الاقتصادات الناشئة هواتفهم المحمولة كأجهزة تعليمية.
ويستخدم حالياً أكثر من 500 طفل يعاني من ضعف البصر في مدرسة “ليكوني للمكفوفين في كينيا” التكنولوجيا كوسيلة مساعدة للوصول إلى محتوى تعليمي رقمي ، في حين تستخدم أيضاً مدرسة الأمل للصم بمدينة الشارقة داخل دولة الإمارات العربية المتحدة التكنولوجيا لمساعدة المعلمين على بناء دروس جذابة وإنشاء مقاطع فيديو بلغة الإشارة من شأنها تسهيل عملية التعليم على هذه الشريحة.
وفقاً لعفاف الهريدي مديرة مدرسة الأمل للصم التي أكدت أن الأطفال يكتسبون مهارات حقيقية يمكنهم الاستفادة منها واستخدامها في العالم المهني ، كما ذكرت بأن المبادرة التي أطلقتها مدرسة الأمل بالتعاون مع مايكروسوفت لم تُعنى فقط بتحسين عملية التعلم داخل الفصول الدراسية فحسب ، بل إنها تجاوزت ذلك لتخلق بدورها تماسكاً رائعاً بين المدرسة وطلابها.”
لا يوجد منهج واحد يناسب الجميع في عملية التعليم والتعلم
يجب معرفة أن فوائد دمج التكنولوجيا داخل الفصول الدراسية لاتقتصر فقط على الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ، بل تعمل التكنولوجيا بشكل عام على تحسين نتائج التعلم الكلية ، وذلك من خلال تلبية احتياجات أنماط التعلم المختلفة للطلاب.
كما أن أيام النموذج التعليمي القائم على مبدأ “منهج واحد يناسب الجميع” قد مضى عليها الدهر ولم تعد تناسب الجيل المعاصر ، إذ يمتلك المعلمون في الوقت الحالي أدوات وموارد في متناول أيديهم أكثر من أي وقت مضى ، تساعدهم على تلبية الاحتياجات المتنوعة لطلابهم وتعزيز نجاحهم داخل الفصل وخارجه.
التدريس من أجل النجاح: دمج التكنولوجيا في أساليب التعلّم المختلفة
يدخل الطلاب الفصل الدراسي وكلاً منهم يمتلك شخصية مختلفة وقدرات معينة في أساليب التعلم ، وينبغي علينا من أجل مساعدتهم أن نزرع مفاهيم جديدة في أساليب التعلم الأساسية ، ولكن يكمُن التحدي في بعض الأحيان بوجود معلمين غير قادرين على استيعاب كل طالب على حدة داخل إطار الفصول الدراسية التقليدية.
ومن هنا يأتي دور التكنولوجيا ، حيث توفّر بدورها للمعلمين حلولاً سهلة المنال تدعم نهج الخصوصية والشمولية في التعلم.
وفي الواقع ، هناك أساليب وطرق تعليمية يستطيع من خلالها الطلاب اكتساب المعلومات الجديدة ومعالجتها و تذكرها ، وتعتبر أكثر أساليب التعلم شيوعاً هي: البصرية والسمعية واللمسية والحركية.
فعلى سبيل المثال، يستجيب المتعلمون الذين يعتمدون على الأسلوب البصري بشكل أفضل للصور ومقاطع الفيديو ، حيث إن دمج أداة مثل Picture Dictionary داخل الفصل الدراسي من شأنها أن تمنح هؤلاء الطلاب القدرة على رؤية الصورة وسماع الكلمة التي تساعد على فهم القراءة في آنٍ واحد.
وفي مثال آخر فعلي على أرض الواقع يقوم أخصائي معالجة النطق واللغة في جنوب إفريقيا نيكي هيمان ، بإستخدام التكنولوجيا من أجل تمثيل المفاهيم بصرياً للأطفال ، حيث أعرب نيكي قائلاً “تسمح لك التكنولوجيا بتزويد الطفل بصورة مرئية تساهم بتوضيح معنى أو كلمة قد تكون غير مفهومة للطفل.”
أما النموذج الثاني ، يتمحور حول المتعلمون الذين يعتمدون على الأسلوب السمعي بشكل أفضل من خلال الإشارات الصوتية ورواية القصص والموسيقى ، حيث تعد أداة مثل Dictation in Office وسيلة بسيطة قادرة على مساعدة الطلاب على الكتابة بحرية من خلال التحدث في الميكروفون.
بينما يدور النموذج الثالث حول المتعلمون الذين يعتمدون على الأسلوب الحركي ، فهم بطبعهم يفضلون التمثيل ولعب الأدوار من أجل اكتساب المعرفة ، علماً أن هناك طرقاً رائعة عديدة تتمثل في هذا النموذج ، وتعمل على تعزيز نتائج التعلم مثل طريقة دمج الواقع المختلط داخل الفصل الدراسي ، حيث تساعد تقنية الواقع المختلط على تغيير شكل التعليم داخل الفصول الدراسية ، وتمكن الطلاب من تجربة المناهج التعليمية بطرق جديدة مبتكرة كلياً.
فعلى سبيل المثال، مع برنامج هولو تور للواقع المختلط من مايكروسوفت ( Microsoft’s mixed reality HoloTour ) يمكن للطلاب استكشاف جمال مدينة روما وتاريخها ، بطريقة تدمج البيئة المادية مع الرقمية معاً لتضفي تجربة متكاملة كلياً تتميز بكونها ثلاثية الأبعاد.
في حين يتشكل النموذج الرابع في الطلاب الذين يعتمدون على أسلوب اللمس في طريقة التعلم ، فالبرغم من أن تقنية الواقع المختلط تتيح للطلاب تجربة إنشاء محتوى ثلاثي الأبعاد ، إلا أنهم سيتمكنوا من خلال استخدام أداة مايكروسوفت (Masterpiece VR) من القيام بعدة أعمال عدة مثل النحت والطلاء باستخدام ميزات حدسية وديناميكية تساعد الطلاب على بناء مجسمات ملموسة ونماذج عالية الجودة.
تعتبر ماينكرافت النسخة التعليمية (Minecraft: Education Edition) وسيلة رائعة أخرى متاحة لجميع الطلبة ، وذلك لأنها تعلّم ميزات الابتكار والإبداع والتعاون بالاضافة إلى مهارات البرمجة ، كما تُستخدم أيضاً في تدريس جميع أنواع المواد بما فيها الرياضيات والفيزياء وصولاً إلى التاريخ واللغات ، وتضم هذه اللعبة التعليمية اليوم أكثر من أربعة ملايين مستخدم مرخص عبر 115 دولة ، وقد ابتكر المعلمون أكثر من 250 خطة دراسية مجانية تشمل مجموعة متنوعة من الموضوعات، مع العلم أنه تم تدريب أكثر من 300 معلم حول العالم كمرشدين لماين كرافت بهدف مساعدة الآخرين على البدء في هذا البرنامج والنهج التعليمي.
تلبية احتياجات المزيد من الأطفال
ووفقا لهيمان “إن أكبر ثورة في التكنولوجيا بالنسبة لي هي القدرة على إعطاء المزيد من الأطفال فرصاً أكثر ، فقد تم في الماضي شطب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من الحسابات لأنهم لم يتمكنوا من التواصل.”
ومع ذلك، فهي تعتقد أنه لا تزال هناك تحديات يجب التغلب عليها قبل أن يتم استخدام التكنولوجيا في إمكاناتها الكاملة داخل الفصل الدراسي ، وأضافت هيمان قائلةً: “هناك العديد من المعلمين الذين يترددون في تبني التغيير والخروج من أسلوب “المدرسة القديمة” في التدريس ، ويعود سبب ذلك الرفض بسبب الخوف من المجهول والاضطرار إلى تعلم مهارات جديدة ، فإذا تَمعنا قليلاً فإنه من غير المنطقي أن يتم وضع جهاز تكنولوجي أمام طفل ونتوقع منه أن يكون قادر على استخدامه بكل بساطة ، بل يتوجب علينا نكثف جهودنا من أجل تعليم الأطفال كيفية استخدامه ، وهذا يستغرق بحد ذاته إلى وقتاً وموارد وممارسة ، ناهيك عن ذلك فإن هذا الأمر يتطلب موافقة الجميع في البيئة التعليمية لكي تنجح التجربة”.
وتؤيد أخصائية تقييم المدارس الابتدائية التابعة لمجلس الامتحانات المستقلة في جنوب إفريقيا السيدة ميشيل بوثا هذا النهج ، حيث تؤمن بوثا أن استخدام التكنولوجيا في التدريس من شأنه أن يعزز من تجربة التعلم ويتطلب مستوى عالٍ من الفهم والمهارة – لا يمكن تركه للحدس.
كما تعتقد بوثا أيضاً أن السبب الرئيسي في كون التعليم ما يزال في مرحلة السعي إلى اللحاق بالعالم الرقمي، وعدم تبني هذا التوجه الجديد خاصة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، إلا أن بيئة التعليم تعتبر أكثر البيئات تحفظاً مقارنة بالبيئات الأخرى.
التكنولوجيا الحالية لطلاب المستقبل
يتمثل دور المعلم في إعداد الأجيال القادمة ، ويكمُن السؤال الأكبر الذي يواجه المعلمين الآن في نوع المهارات التي يحتاجها أطفال اليوم كي يكونوا جاهزين عند تخرجهم ، وكيف يمكن أن تدعم التكنولوجيا رحلتهم التعليمية؟
للإجابة على هذه الأسئلة الحرجة، أطلقت مايكروسوفت بحثاً هامّا جداً تحت مسمى “الصفوف الدراسية لعام 2030” ، حيث أجرى البحث مقابلات مع أكثر من 70 من قادة الفكر حول العالم ، واستعرض 150 بحثاً من الأبحاث الحالية ، واستطلع 2,000 معلماً و 2,000 طالباً.
وفي الخوض بتفاصيل البحث ، قد أبرز أن التعلم الشخصي كنهج يدعم تنمية المهارات – سواء المعرفية أو الاجتماعية أو العاطفية ، بالاضافة إلى ذلك كان الطلاب واضحين جداً من حيث رغبتهم في تطوير هذه المهارات التي تفتح المجال أمام فضولهم وإمكاناتهم – كما أنهم أبدوا رغبتهم بالتعلم من خلال المعلمين الذين يعرفونهم ويفهمونهم ويفضلونهم على المستوى الشخصي.
وقد تم تسليط الضوء على ثلاث تقنيات في البحث على أنها تُظهر نتائج متقدمة جداً في دعم تنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية والتعلم الشخصي وهي : المنصات التعاونية ؛ والواقع المختلط ؛ وتقنيات التحليلات المدعومة من قِبل الذكاء الاصطناعي (AI).
لا يمكن للتكنولوجيا أن تحل بدلاً من المعلم
ومجدداً أكدت بوثا قائلة فيما يتعلق بهذا الصدد “لا تُعتبر التكنولوجيا الحل السحري الذي يمكن استخدامه لإيجاد حل لجميع مشاكل التعليم ، بل هي مجرد أداة أخرى في صندوق أدوات المعلم” ، ومن هذا المنطلق نستطيع استخلاص أن قوة المعلم تكمن في الفرص التي يخلقها للطلاب وكيفية مساعدتهم على حل المشكلات ضمن بيئة قائمة على العلاقات الشخصية القوية”.
ولخصت بوثا قائلة أنه “ما يزال المعلمون الجيدون مستمرون في استخدام التكنولوجيا المتاحة لهم من أجل خلق مساحات كبيرة في تعلم التفكير والإبداع والابتكار”.